قطاع التأمين في "الصدمة الاقتصادية"
التاريخ: 2020-09-10
بقلم: غازي أبو نحل، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات Nest Investments (Holdings) L. T. D والرئيس الفخري لرابطة مراكز التجارة العالمية
من المتوقع أن يستغرق الاقتصاد العالمي وقتاً أطول مما كان متوقعاً في البداية للتعافي بشكل كامل من الصدمة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي ألقى بثقله على كل القطاعات الإنتاجية والخدماتية، وأوقع العالم في أعمق ركود منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
ماذا عن تداعيات هذا الفيروس على قطاع التأمين؟
شركات التأمين على الحياة تدير عالمياً أصولاً تتجاوز قيمتها الـ20 تريليون دولار أميركي، نصفها تقريباً، سندات حكومية هبطت إيراداتها بشكل دراماتيكي، في وقت تضغط الأزمة كذلك على السندات غير الحكومية، مما يثير مخاوف إئتمانية، ويقود ربما، إلى المزيد من تخفيض السندات، لا سيما في ظل تقارير تتحدث عن 24 دولة قد تم تخفيض تصنيفها الإئتماني حتى الآن، وهناك 111 دولة وشركات كبرى معرضة لخطر خفض التصنيف الإئتماني من الدرجة الجيدة في الإستثمار إلى عالية المخاطر، مما يؤثر على ديونٍ بأكثر من 300 مليار دولار أميركي، وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم وكالات التصنيف العالمية قد خفضت التصنيفات الإئتمانية لمعظم دول العالم، كما حذرت من تصاعد مخاطر التخلف عن السداد في عدد من البلدان النامية. وأوضحت أن مزيج التجارة المتوقفة وانخفاض أسعار السلع الأساسية والنمو المتدهور أدى إلى ارتفاع علاوة المخاطر لدى الأسواق الناشئة، كما تراجعت السندات المقدمة من دول نامية وسط مخاوف إتباع هذه الدول مساراً يقود إلى التخلف عن السداد.
إن الافتقار إلى الوصول إلى الأسواق وضغط السيولة المتفاقمة، تشير إلى إعادة هيكلة ستؤدي بدورها إلى خسائر كبيرة بالنسبة لمستثمري القطاع الخاص.
التقلبات الحادة في الأسواق المالية تمثل تحدياً كبيراً أيضاً لقطاع التأمين على الحياة، وذلك بسبب الأصول والمسؤوليات الطويلة الآجال التي تديرها هذه الشركات. وتشهد الأسواق في الفترة الأخيرة الكثير من التقلبات، في أسعار صرف العملات وانخفاض قِيمها في العديد من الدول بوتيرة لم تشهدها منذ عقود، وكذلك تحركات الأسهم ومعدلات الفوائد وتوزع الأرصدة، بما يضع شركات التأمين على الحياة خصوصاً، وقطاع التأمين عموماً، أمام مخاطر إدارة هذه الأصول لاسيما وأن منحى العائد عليها يميل إلى التراجع حالياً.
الواقع يتنوع بالتأكيد. فما ينطبق على أسواق الولايات المتحدة وأوروبا يختلف عما هو عليه في الشرق الأوسط، حيث لا تزال تأمينات الحياة أقل انتشاراً من فروع التأمين الأخرى وأقلها نمواً، وفي حين تغيب الاحصاءات الدقيقة عن حجم سوق تأمينات الحياة في هذه المنطقة الجغرافية من العالم، إلا أن أحدث التقديرات تشير إلى عدم تجاوزها نسبة 20 في المائة من إجمالي سوق التأمين، مقابل أكثر من 20 في المائة تستأثر بها فروع التأمين الأخرى.
وعلى الرغم من كون فروع التأمين الأخرى، لا تواجه المخاطر والتحديات المرحلية والمستقبلية نفسها التي تواجهها تأمينات الحياة، إلا أن فيروس كورونا قد ألقى بثقله على صناعة التأمين برمتها، حيث توقعت لويدز أن يتكبد هذا القطاع في العالم خسائر بقيمة 203 مليارات دولار خلال العام 2020 بسبب وباء كوفيد-19. وتتوزع الخسائر المتوقعة هذه السنة بين 107 مليارات دولار من التعويضات لإلغاء مناسبات أو التأمين على السفر مثلاً، و96 مليار دولار من تراجع قيمة مخاطر الإستثمار. ويضيف جون نيل مدير عام لويدز: "أن ما يجعل هذا الوباء فريدًا ليس تأثيره البشري والاجتماعي فحسب، بل كذلك الصدمة الاقتصادية" مع الارتفاع الحاد في البطالة وإفلاس الشركات وانهيار إجمالي الناتج الداخلي في العديد من الدول.
في منطقة الشرق الأوسط عموماً ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً، إن تراجع أسعار النفط وتأثيرات فيروس كورونا قد أضعف التوقعات الاقتصادية كما النشاطات والأعمال لهذه الدول، الأمر الذي ستكون له تبعات سلبية على قطاع التأمين نتيجة تراجع الطلب على منتجاته. شركات التأمين العربية والخليجية ستواجه ضغوطات كبيرة ناجمة عن تراجع الفوائد والأداء الضعيف لأسواق الأسهم واحتمال حصول انخفاض في قيمة العقارات، يضاف إليها، ارتفاع المطالبات الناجمة عن إلغاء السفر والأحداث والمؤتمرات والمعارض الكبرى، لاسيما تأجيل معرض اكسبو 2020 الذي كان مقرراً اقامته في دبي في شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل وكان متوقعاً أن يزوره 25 مليون شخص في خلال نصف عام، وكانت شركات التأمين الوطنية ستغطي فعاليات الحدث وتوفر التغطية الصحية لزواره الأجانب.
إن الهبوط الحاد في أسواق الأسهم سيترك انعكاسات خطيرة على رساميل عدد كبير من شركات التأمين، لاسيما في ظل وجود انكشافات طويلة، وأن بنسب متفاوتة بين شركة وأخرى، على مستوى مهم من الأسهم.
ما يثير القلق أيضاً، أن الأقساط المتدنية ستؤجج المنافسة الموجودة أصلاً في الأسواق، حيث تعول الشركات الصغيرة على الأقساط لزيادة سيولتها، وفي ظل شح السيولة حالياً في الأسواق، فمن المرجح أن تعمد هذه الشركات إلى خفض اسعارها لإستقطاب المزيد من الأقساط.
في مقابل هذه المشهدية القاتمة، تؤكد وقائع عدة أن شركات التأمين العالمية لديها رأسمال جيد لإمتصاص الصدمة الناجمة عن ارتفاع المطالبات التأمينية والتكاليف المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد، مستندة إلى اختبار تحمل تم لقياس التأثير الفوري للتفشي على المتانة المالية لشركات تأمين، أبلت بلاءً حسنًا في اختبار التحمل الذي أجرته، وتشكل مستويات رؤوس الأموال لديها مصدرًا مناسبًا من الصدمة المحتملة على قوائمها المالية من دون أن نغفل أهمية اجراءات التحفيز التي اطلقتها دول عدة، ومن بينها قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، التي من شأنها أن تخفف من الأثقال الملقاة على عاتق قطاع التأمين، كما غيره من القطاعات، وتجعله في موقع القادر على إستعادة زمام المبادرة حين زوال حدة الجائحة.
يصف ما شياو لين، الخبير الصيني في الشؤون الدولية والاقتصادية، فيروس كورونا بأنه "أشبه بحرب عالمية بلا دخان" ، حرب أرخت بثقلها على كل القطاعات الاقتصادية والحياتية والاجتماعية وأصابت البشر بكثير من الأضرار... ومع هذا، ينبغي إستغلال هذه الأزمة لإعادة إنتاج شيء أفضل وأكثر إنسانية، لأن بناء مستقبل عادل اجتماعياً بحاجة إلى نوع جديد من الخطط والأهداف الاقتصادية العامة.
في قطاع التأمين، نحتاج إلى شركات صلبة، قوية، مليئة وشفافة... قادرة على الإستجابة للمتطلبات الصحية والحياتية والمؤسساتية في زمن الأزمات الصعبة.
من المتوقع أن يستغرق الاقتصاد العالمي وقتاً أطول مما كان متوقعاً في البداية للتعافي بشكل كامل من الصدمة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي ألقى بثقله على كل القطاعات الإنتاجية والخدماتية، وأوقع العالم في أعمق ركود منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
ماذا عن تداعيات هذا الفيروس على قطاع التأمين؟
شركات التأمين على الحياة تدير عالمياً أصولاً تتجاوز قيمتها الـ20 تريليون دولار أميركي، نصفها تقريباً، سندات حكومية هبطت إيراداتها بشكل دراماتيكي، في وقت تضغط الأزمة كذلك على السندات غير الحكومية، مما يثير مخاوف إئتمانية، ويقود ربما، إلى المزيد من تخفيض السندات، لا سيما في ظل تقارير تتحدث عن 24 دولة قد تم تخفيض تصنيفها الإئتماني حتى الآن، وهناك 111 دولة وشركات كبرى معرضة لخطر خفض التصنيف الإئتماني من الدرجة الجيدة في الإستثمار إلى عالية المخاطر، مما يؤثر على ديونٍ بأكثر من 300 مليار دولار أميركي، وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم وكالات التصنيف العالمية قد خفضت التصنيفات الإئتمانية لمعظم دول العالم، كما حذرت من تصاعد مخاطر التخلف عن السداد في عدد من البلدان النامية. وأوضحت أن مزيج التجارة المتوقفة وانخفاض أسعار السلع الأساسية والنمو المتدهور أدى إلى ارتفاع علاوة المخاطر لدى الأسواق الناشئة، كما تراجعت السندات المقدمة من دول نامية وسط مخاوف إتباع هذه الدول مساراً يقود إلى التخلف عن السداد.
إن الافتقار إلى الوصول إلى الأسواق وضغط السيولة المتفاقمة، تشير إلى إعادة هيكلة ستؤدي بدورها إلى خسائر كبيرة بالنسبة لمستثمري القطاع الخاص.
التقلبات الحادة في الأسواق المالية تمثل تحدياً كبيراً أيضاً لقطاع التأمين على الحياة، وذلك بسبب الأصول والمسؤوليات الطويلة الآجال التي تديرها هذه الشركات. وتشهد الأسواق في الفترة الأخيرة الكثير من التقلبات، في أسعار صرف العملات وانخفاض قِيمها في العديد من الدول بوتيرة لم تشهدها منذ عقود، وكذلك تحركات الأسهم ومعدلات الفوائد وتوزع الأرصدة، بما يضع شركات التأمين على الحياة خصوصاً، وقطاع التأمين عموماً، أمام مخاطر إدارة هذه الأصول لاسيما وأن منحى العائد عليها يميل إلى التراجع حالياً.
الواقع يتنوع بالتأكيد. فما ينطبق على أسواق الولايات المتحدة وأوروبا يختلف عما هو عليه في الشرق الأوسط، حيث لا تزال تأمينات الحياة أقل انتشاراً من فروع التأمين الأخرى وأقلها نمواً، وفي حين تغيب الاحصاءات الدقيقة عن حجم سوق تأمينات الحياة في هذه المنطقة الجغرافية من العالم، إلا أن أحدث التقديرات تشير إلى عدم تجاوزها نسبة 20 في المائة من إجمالي سوق التأمين، مقابل أكثر من 20 في المائة تستأثر بها فروع التأمين الأخرى.
وعلى الرغم من كون فروع التأمين الأخرى، لا تواجه المخاطر والتحديات المرحلية والمستقبلية نفسها التي تواجهها تأمينات الحياة، إلا أن فيروس كورونا قد ألقى بثقله على صناعة التأمين برمتها، حيث توقعت لويدز أن يتكبد هذا القطاع في العالم خسائر بقيمة 203 مليارات دولار خلال العام 2020 بسبب وباء كوفيد-19. وتتوزع الخسائر المتوقعة هذه السنة بين 107 مليارات دولار من التعويضات لإلغاء مناسبات أو التأمين على السفر مثلاً، و96 مليار دولار من تراجع قيمة مخاطر الإستثمار. ويضيف جون نيل مدير عام لويدز: "أن ما يجعل هذا الوباء فريدًا ليس تأثيره البشري والاجتماعي فحسب، بل كذلك الصدمة الاقتصادية" مع الارتفاع الحاد في البطالة وإفلاس الشركات وانهيار إجمالي الناتج الداخلي في العديد من الدول.
في منطقة الشرق الأوسط عموماً ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً، إن تراجع أسعار النفط وتأثيرات فيروس كورونا قد أضعف التوقعات الاقتصادية كما النشاطات والأعمال لهذه الدول، الأمر الذي ستكون له تبعات سلبية على قطاع التأمين نتيجة تراجع الطلب على منتجاته. شركات التأمين العربية والخليجية ستواجه ضغوطات كبيرة ناجمة عن تراجع الفوائد والأداء الضعيف لأسواق الأسهم واحتمال حصول انخفاض في قيمة العقارات، يضاف إليها، ارتفاع المطالبات الناجمة عن إلغاء السفر والأحداث والمؤتمرات والمعارض الكبرى، لاسيما تأجيل معرض اكسبو 2020 الذي كان مقرراً اقامته في دبي في شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل وكان متوقعاً أن يزوره 25 مليون شخص في خلال نصف عام، وكانت شركات التأمين الوطنية ستغطي فعاليات الحدث وتوفر التغطية الصحية لزواره الأجانب.
إن الهبوط الحاد في أسواق الأسهم سيترك انعكاسات خطيرة على رساميل عدد كبير من شركات التأمين، لاسيما في ظل وجود انكشافات طويلة، وأن بنسب متفاوتة بين شركة وأخرى، على مستوى مهم من الأسهم.
ما يثير القلق أيضاً، أن الأقساط المتدنية ستؤجج المنافسة الموجودة أصلاً في الأسواق، حيث تعول الشركات الصغيرة على الأقساط لزيادة سيولتها، وفي ظل شح السيولة حالياً في الأسواق، فمن المرجح أن تعمد هذه الشركات إلى خفض اسعارها لإستقطاب المزيد من الأقساط.
في مقابل هذه المشهدية القاتمة، تؤكد وقائع عدة أن شركات التأمين العالمية لديها رأسمال جيد لإمتصاص الصدمة الناجمة عن ارتفاع المطالبات التأمينية والتكاليف المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد، مستندة إلى اختبار تحمل تم لقياس التأثير الفوري للتفشي على المتانة المالية لشركات تأمين، أبلت بلاءً حسنًا في اختبار التحمل الذي أجرته، وتشكل مستويات رؤوس الأموال لديها مصدرًا مناسبًا من الصدمة المحتملة على قوائمها المالية من دون أن نغفل أهمية اجراءات التحفيز التي اطلقتها دول عدة، ومن بينها قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، التي من شأنها أن تخفف من الأثقال الملقاة على عاتق قطاع التأمين، كما غيره من القطاعات، وتجعله في موقع القادر على إستعادة زمام المبادرة حين زوال حدة الجائحة.
يصف ما شياو لين، الخبير الصيني في الشؤون الدولية والاقتصادية، فيروس كورونا بأنه "أشبه بحرب عالمية بلا دخان" ، حرب أرخت بثقلها على كل القطاعات الاقتصادية والحياتية والاجتماعية وأصابت البشر بكثير من الأضرار... ومع هذا، ينبغي إستغلال هذه الأزمة لإعادة إنتاج شيء أفضل وأكثر إنسانية، لأن بناء مستقبل عادل اجتماعياً بحاجة إلى نوع جديد من الخطط والأهداف الاقتصادية العامة.
في قطاع التأمين، نحتاج إلى شركات صلبة، قوية، مليئة وشفافة... قادرة على الإستجابة للمتطلبات الصحية والحياتية والمؤسساتية في زمن الأزمات الصعبة.